الفتح العظيم
يوم توجهت قوافل المجاهدين بعدتها لتفتح مكة بجيش كان قوامه من الأنصار الذين لم يعتادوا قرب الحرم المكي و لم تكن له في قلوبهم تلك المهابة ذلك الحرم الذي ظل سنيناً طوالاً لم تتجرأ أي قوة على سطح الأرض من المؤمنين أو الكافرين على التفكير بغزو هذا الحرم الآمن لما يعلمون له من القدسية و المهابة في قلوب الناس تلك المنطقة من العالم و التي كانت منزوعة السلاح و لا يحل لأحد يطيف بأركان ذلك الحرم أن يحمل السلاح
ربما لأنه كان البقعة الوحيدة في العالم التي يشعر المرء فيها بالسلام وينعم بالأمان و حتى الفيل الذي رافق تلك الحملة التي لولا ورودها بالقرآن لشكك فيها الكثير ممن هم من حولنا من أدعياء الثقافة و أهل التأريخ كان ذلك الفيل قد توقف على بعد مسافة حين رأى للحرم هيبته التي انخلعت لها قلوب
أعظم القادة في التاريخ تتقدم جحافل المقاتلين الذين لبسوا أدراعهم بقيادة نبي الملحمة سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام لتأخذ تلك السرايا مكاناً لها في أعظم بقعة و أطهر بقعة بعد أن دنست القبائل العربية بأصنامها محلية الصنع والمستوردة منها بترخيص الشيطان حرمة ذلك الحرم الآمن و الذي كر الله أمنه و تمنن على أهل الحرم و في مقدمتهم قريش على أنه حباهم أمناً لم تحلم به قبيلة عربية أو غير عربية و جاء الطلب خفياً و يحمل معنى التهديد بزوال هذه الميزة إذا أصرت قريش على مواقفها
(لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء و الصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف)
لم يكن للخوف مكان قبل أن يدخل محمد و أصحاب محمد بمحيط الحرم و الذين جاؤوا في الظاهر ليستبيحوا حرمة مكان لم يكن لأحد مهما كانت صفته أن يدخله بسلاح إلا حاجاً أو معتمراً أو مبتغياً لتجارة مدتها محدودة
لكنه م جاءوا اليوم و بتأشيرة دخول إلهية ليحققوا أمر الله و مقالته لإبراهيم بأن يطهر بيت الله( للطائفين و القائمين و الركع السجود ) هذا نبي الرحمة حفيد إبراهيم عليه السلام قد جاء ليتم ما أمر به
وليحفظ للبيت هيبته التي دنستها الأعراب و أصنامهم
لقد بدأت بالدخول جحافل الجيش الذي حفظ للبيت عنفوانه و الذي كان بإشارة من قائده محمد عليه الصلاة و السلام فلا يبقى بمكة شيء آمن كما نقل الشيخ الغزالي و أصبحت أم القرى و قد قيد الرعب حركاتها و استسلمت للقدر المحتوم
هذا سعد بن عبادة أي جاء على رأس جماعة من قومه ليكون لهم شرف ذلك الفتح تراه يقول اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة اليوم يذل الله قريشاً
نعم إنها أمنية الذين عانوا من قهر قريش و هاهم اليوم يدخلون قلعة قريش الحصينة بحصن إلهي و وقعت عليه كل أمم الأرض إنه إحساس من يظفر بعدوه الذي قهره زمناً ليس بالقليل إنه موعد المفاجآت لتأتي المفاجأة من القائد العام للقوات التي تنتظر الإشارة بأن (اليوم يوم الرحمة اليوم يعظم الله الكعبة) وهذا الذي حصل فقد كان للكعبة من الشرف و التعظيم على يد هذا الرسول الكريم الذي يعرف قدر هذا البيت الذي طالما طاف بأفنيته صغيراً وحتى اللحظة التي أخرجته قريش و التفت إلى مكة لتنزل عليه آية تسلو عن قلبه حزن الفراق و القهر (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)
يدخل محمد عليه الصلاة و السلام مكة فاتحاً و يعطي الأمان بكلمات صارت نواة القانون الدولي الإسلامي وترتيبات السلم و الحرب ( من دخل البيت الحرام فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن و من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
ثم يدخل إلى جوف الكعبة ويرى صورة العذراء و صورة إبراهيم و إسماعيل و هما يستقسمان بالأزلام كمحاولة كتب لها الفشل من هذا الذي صورهم ليبيح ما حرم الله بواسطة الافتراء على أنبياء الله فيقول نبي التوحيد ( لقد علموا أنهما ما استقسما بها) ثم يدعو بماء ليمحو تلك الصور و يمحو معها آخر آثار الوثنية من البيت العتيق بعد أن دمر ثلاثمائة و ستين صنماً كانت تحيط بالبيت الحرام فعادت تراباً إلى أصلها الذي لا ينبغي أن تتمرد عليه بخلاف ذلك الإنسان الذي يشاركه بأصل المنشأ و الذي تمرد عبر العصور بشواهد لا حاجة لذكرها هنا