مفهوم الحياة الطيبة
السعادة في الإيمان وطاعة الديّان ، وفي القلب والقلب محل نظر الرب ، فإذا استقر اليقين فيه انبعثت السعادة فأضفت على الروح وعلى النفس انشراحاً وارتياحاً ، ثم فاضت على الآخرين .
أحمد بن حنبل رحمه الله عاش سعيداً وكان ثوبه أبيض مرقعاً يخيطه بيده ، وعنده ثلاث غرف من طين يسكنها ، ولا يجد إلا كسر الخبز مع الزيت ، وبقي حذاؤه سبع عشرة سنة يرقعها ويخيطها كما ذكر عنه المترجمون ، ويأكل اللحم في الشهر مرّةً واحدةً ، ويصوم غالب الأيام ، يذرع الدنيا ذهاباً وإياباً في طلب الحديث ، ومع ذلك وجد رحمه الله الراحة والهدوء والسكينة والإطمئنان لأنه ثابت القدم ، مرفوع الهامة ، عارفٌ بمصيره ، طالبٌ لثوابٍ ، ساعٍ لأجرٍ ، عاملٌ لآخرةٍ ، راغبٌ في جنةٍ .
وكان الخلفاء في عهده الذين حكموا الدنيا ( المأمون ، الواثق ، المعتصم ، المتوكل ) عندهم القصور والذهب والجنود ، ومعهم ما يشتهون ، ومع ذلك عاشوا في كدر ، وقضوا حياتهم في همٍ وغم ، وقلاقل وحروب ، وثورات وشغب ، وبعضهم كان يتأوّه في سكرات الموت نادماً على ما فرّط في جنب الله .
ابن تيميه رحمه الله شيخ الإسلام لا أهل له ولا أسرة ، ولا مال ولا منصب ، ولا دار إلا غرفةً بجانب جامع بني أميه يسكنها ، وله رغيفٌ في اليوم ، وله ثوبان يغيّر هذا بهذا ، وينام أحياناً في المسجد .
ولكن كما وصف نفسه : أنا جنتي في صدري ، وقتلي شهادة ، وسجني خلوة ، ونفيي سياحة .
لأن شجرة الإيمان في قلبه استقامت على سوقها ، تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، يمدها زيت العناية الربانية .
نعيم وجحيم
نشرت الصحف العالمية خبراً عن انتحار رئيس وزراء فرنسا في حكم الرئيس فرانسوا ميتران والسبب في ذلك أن بعض الصحف الفرنسية شنّت عليه غلرة من النقد والشتم والتجريح فلم يجد إيماناً ولا سكينةً ولا استقراراً يعود إليه ، ولم يجد من يركن إليه فبادر فأزهق روحه .
إن هذا الرجل الذي أقدم على الإنتحار لم يهتد بالهداية الربانية المتمثلة في قوله تعالى : ( ولا تكُ في ضيقٍ مما يمكرون ) وقوله تعالى : ( واصبر على مايقولون وهجرهم هجراً جميلا ) لأن الرجل فقد مفتاح الهداية ، وطريق السداد ، وسبيل الرشاد ( من يضلل الله فلا هادي له ) .
إن من وصايا الآخرين لكل مثقل بالهم والحزن أن يأمروه بالجلوس على ضفاف النهر ويستمتع بالموسيقى ويلعب النرد ويتزلج على الثلج .
لكن وصايا أهل الإسلام وأهل العبودية الحقة : جلسةٌ بين الأذان والإقامة في روضةٍ من رياض الجنة ، وهتاف بذكر الواحد الأحد ، وتسليم بالقضاء والقدر ، ورضاً بما قسم الله ، وتوكل على الله جل وعلا .
الذكر الجميل عمر طويل
من سعادة العبد المسلم أن يكون له عمر ثاني ، وهو الذكر الحسن . وعجباً لمن وجد الذكر الحسن رخيصاً ولم يشتره بماله وجاهه وسعيه وعمله . وقد طلب ابراهيم عليه السلام من ربه لسان صدقٍ في الآخرين وهو الثناء الحسن والدعاء له .
وعجبتُ لأناس خلدوا ثناءً حسناً في العالم بحسن صنيعهم ، وبكرمهم وبذلهم
حتى أن عمر رضي الله عنه سأل أبناء هرم بن سنان : ماذا أعطاكم زهير وماذا أعطيتموه ؟
قالوا : مدحنا ، وأعطيناه مالاً .
قال عمر رضي الله عنه : ذهب والله ما أعطيتموه ، وبقي ما أعطاكم . ( يعني الثناء والمدح ) .