في هذه الآية الكريمة ذكر الله سبحانه وتعالى صنفا من الناس على سبيل الذم حيث يصفهم سبحانه
بأنهم {يعملون ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون }... فهم ليسوا جهلاء بل من
الذين يعلمون . وربما كان أحدهم عالما كبيرا في الطب والهندسة أو الأقتصاد أوالسياسة أو غير
ذلك من العلوم المادية ولكن إذا نظرت إلى حصيلته من العلوم الشرعية الواجبة وجدته خاويا
جاهلا , مع أنه يمتلك الأدوات التي تخوله أن يكون عالما بأمور دينه وآخرته من عقل وفهم
وذكاء , يقول الحسن البصري – رحمه الله تعالى - : والله ليبلغ من علم أحدكم بدنياه , أنه يقلب
الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه , وما يحسن أن يصلي . ويقول ابن عباس رضي الله عنهما :<
يعرفون أمر معيشتهم ودنياهم > .......... ومعرفة هذه الأمور وتحصيلها أمر محمود , ولكن
الاكتفاء بها والإكثار منها بحيث يؤدي ذلك إلى الغفلة عن الآخرة هو المذموم , لذا ذمهم الله
سبحانه بأنهم ..< عن الآخرة هم الغافلون > ...فالغفلة عن الآخرة تجعل مقاييس الغافلين تختل
ويتأرجح في أكفهم ميزان القيم والتصور , لأن هؤلاء نظروا إلى الدنيا من زاوية واحدة وبمقياس
واحد , والحقيقة التي فهمها السل صلوات الله وسلامه عليهم والصحابة من بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم هو أن هذا الوجود ماهو إلا سلسلة واحدة وحلقات متصلة , أول تلك الحلقات هذه
الدنيا التي وقف عندها أولئك النفر ..< الذين يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا > .... ويلي هذه الحلقة
حلقات أخر وهي ماسماه الله تبارك وتعالى .. الآخرة ..يقول سيد قطب رحمه الله تعالى ... : < ومن
ثم لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينظر ما
ورائها لا يلتقي هذا وذاك في تفدير امر واحد من قيمها , ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو
حال , فلكل منهما ميزان ولكل منهما زاوية للنظر , يرى بها الأشياء والأحداث والقيم والأحوال ,
هذا يرى ظاهرا من الحياة الدنيا , وذاك يدرك ماوراء الظاهر من روابط وسنن ونواميس شاملة
للغيب والشهادة والدنيا والآخرة , والماضي والحاضر والمستقبل , وعالم الناس والعالم الأكبرالذي
يشمل الأحياء والأموات , وهذا هو الأفق البعيد الأوسع الشامل الذي ينقل الإسلام البشرية إليه ,
ويرفعها فيه إلى المكان الكريم اللائق بالإنسان المستخلف من الله > ....... وبذلك تعرف الحكمة
من ذكر .. الآخرة .. عند ذكر أي تشريع أو أي خلق في الكتاب والسنة ...........