قراءة من مكتبتي:
دليل الآخرة:
الجزء الأول:
من أهم الحقائق التي يدعونا الدين إلى الإيمان بها: فكرة الآخرة،
والمراد بها أن هناك عالماً آخر غير عالمنا الحاضر، وسوف نعيش في ذلك العالم خالدين؛ وأن عالمنا
هذا هو مكان للاختبار والابتلاء، وجد فيه الإنسان لأجل معلوم؛ وأن الله سوف ينهي هذا العالم حين
يحين أجله، لبناء العالم الآخر على طراز جديد وأن الناس سوف يبعثون مرة أخرى، وسوف تعرض
أعمالهم - خيراً أو شر - على محكمة الله الذي كل إنسان بما عمل في الحياة الدنيا.
أهذه النظرية صحيحة؟
....أم هي باطلة؟
.... وهل هناك أمكان لهذه الآخرة؟
.... سوف نعرض هنا بعض جوانب القضية.
أولاً: إمكان الآخرة:
ليكن الجانب الأول من هذا العرش هو البحث عن (إمكان)وقوع الآخرة.
فهل هناك وقائع وإشارات تصدق هذه الدعوى؟...
إن فكرة الآخرة تقتضي –أول ما تقتضي – إلا يكون الإنسان والكون في شكلهما الحالي أبديين وقد علمنا فيما لا يدع مجالاً للشك إن أبدية الكون والإنسان مستحيلة وأيقنا يقيناً لا يتزعزع بأن الإنسان يموت وأن الكون سينتهي طبقاً لقانون الطاقة المتاحة). ولست أدري إذا ما كان هنا طريق للنجاة من هذه النهاية المروعة.
مسألة الموت:
إن اللذين لا يؤمنون بالعالم الثاني – الآخرة – يحاولون بدافع الغريزة أن يجعلوا من هذا الكون عالماً أبدياً لأفراحهم ولذلك بحثوا كثيراً عن أسباب الموت حتى يتمكنوا من الحيلولة دون وقوع هذه الأسباب، من أجل تخليد الحياة، ولكنهم أخفقوا إخفاقاً ذريعاً وكلما بحثوا في هذا الموضوع رجع إليهم بحثهم برسالة جديدة عن حتمية الموت، وأنه لا مناص منه.
لماذا الموت؟.... هناك من يقرب من مائتي إجابة عن هذا السؤال الخطير، الذي كثيراً ما يطرح في المجالس العلمية، منها:
(فقدان الجسم لفاعليته) (انتهاء الأجزاء التركيبية ) تجمد الأنسجة العصبية – حلول المواد الزلالية القليلة الحركة – محل الكثيرة الحركة منها – ضعف الأنسجة الرابطة –انتشار سموم، بكتيريا، الأمعاء في الجسم – وما الة ذلك من الإجابات التي تتردد كثيراًً حول ظاهرة الموت.
إن القول بفقدان الجسم لفاعليته جذاب للعقل... فإن الآلات الحديدية والأحذية والأقمشة كلها تفقد فاعليتها بعد أجل محدود، فأجسامنا أيضاً تبلى وتفقد فاعليتها كالجلود التي نلبسها في موسم الشتاء. ولكن العلم الحديث لا يؤيدنا لأنا المشاهدة العلمية للجسم الإنساني.
تؤكد: أنه ليس كالجلود الحيوانية والآلات الحديدية وليس كالجبال...وأن أقرب شئ يمكن تشبيهه به هو ذلك (النهر) الذي لا يزال يجري منذ آلاف السنين على ظهر الأرض فمن ذا الذي يستطيع القول بأن النهر الجاري يبلى ويهن ويعجز؟! بناء على هذا الأساس يعتقد الدكتور (لنس بالنج) أن الإنسان أبدى إلى حد كبير نظرياً فإن خلايا جسمة آلات تقوم بإصلاح ما فيه من الأمراض ومعالجتها تلقائياً ! وبرغم ذلك فإن الإنسان يعجز ويموت ولا تزال علل هذه الظاهرة أسراراً تحير العلماء.
إن جسمنا هذا في تجدد دائم وإن المواد الزلالية التي توجد في خلايا دمائنا تتلف كذلك ثم تتجدد ومثلها جميع خلايا الجسم تموت وتحل مكانها خلايا جديدة؛ اللهم إلا الخلايا العصبية. وتفيد البحوث العلمية أن دم الإنسان يتجدد تجددا كليا خلال ما يقرب من أربع سنين كما تتغير جميع ذرات الجسم الإنساني في بضع سنين ونخرج من هذا بأن الجسم الإنساني ليس كهيكل وإنما هو كالنهر الجاري أي انه عمل مستمر زمن ثم تبطل جميع النظريات القائلة بان علة الموت هي وهن الجسم وفقده لقوته فان الأشياء التي فسدت أو تسممت من الجسم أيام الطفولة أو الشباب قد خرجت من الجسم منذ زمن طويل ولا معنى لأن نجعلها سبب الموت فسبب الموت موجود في مكان آخر وليس في الأمعاء والأنسجة البدنية والقلب.
ويدعي بعض العلماء إن الأنسجة العصبية هي سبب الموت لأنها تبقى في الجسم على آخر الحياة ولا تتجدد. ولو صح هذا التفسير القائل بأن النظام العصبي هو نقطة الضعف في الجسم الإنساني فمن الممكن أن نزعم أن أي جسم خال من (النظام العصبي) لابد أن يحيا عمراً أطول من الأجسام ذات النظام العصبي ولكن المشاهدة العلمية لا تؤيدنا فان هذا النظام لا يوجد مثلاً في الأشجار وبعضها يعيش لأطول ، ولكن شجرة القمح التي لايوجد بها هذا النظام العصبي لا تعيش أكثر من سنة وليس في كائن (الأميبا) جهاز عصبي وهي مع ذلك لا تبقى على قيد الحياة أكثر من نصف ساعة ومقتضى هذا التفسير أيضا إن تلك الحيوانات التي تعد من (نسل أعلى) والتي تتمتع بنظام عصبي أكمل وأجود لابد أن تعيش مدة أطول من تلك التي هي أحقر نسلاً واضعف نظاماً.
ولكن الحقائق لا تؤيدنا في هذا أيضا فان السلحفاة والتمساح وسمكة (باتيك) أطول عمراً من أي حيوان آخر وكلها من النوع الثاني حقير النسل وضعيف النظام.
******
لقد أخفقت تماماً تلك البحوث التي استهدفت أن تجعل من الموت أمرا غير يقيني يمكن ألا يقع فبقي الاحتمال الذي أكدته الأزمان وهو أن يموت الإنسان في أي عمر وفي أي زمن ولم نستطع العثور على أي مكان يمنع الموت رغم جميع الجهود.
لقد بحث الدكتور (الكسيس كير ل) هذه المشكلة في مقال طويل بعنوان (الزمن الداخلي ) فذكر الجهود المخفقة التي بذلت في هذا الصدد ثم قال:
إن الإنسان لن يسأم أبدا من البحث عن (الخلود) والسعي وراءه مع انه لن يظفر به إلى الأبد فتركيبه الجسماني يخضع لقوانين معينة انه يستطيع أن يوقف الزمن (الفسيولوجي ) لأعضاء الجسد حتى يؤخر الموت لفترة قصيرة ولكنه لن يتغلب على الموت أبداً.
آمل ان تستفيدون من هذا الموضوع لأن له بقيه وأجزاء وابواب تابعة لنفس الموضوع: