د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
الحج شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام أصبحت اليوم وبفضل التواصل الإعلامي المرئي الحدث الأهم على مستوى العالم، وأصبحت كاميرات وشاشات العالم تتجه لهذا الحدث الإسلامي العالمي لما يحمله من تحديات كبيرة تمثل في مجملها دروسًا مستفادة لطلاب الجامعات والباحثين في كل شؤون الحياة، وعالمية حدث الحج تأتي من حجم الحشود التي يتم التعامل معها في النقل والإسكان والإعاشة والنظافة وتطوير السلوكيات الإنسانية بينهم فيما يتعلق بالتعاون والإيثار والتسامح والعمل الجماعي الواحد.
إن متطلبات السلوك الإنساني الحضاري في الحج أصبحت اليوم مطلبًا دينيًّا حتى لا نجعل من أي سلوك سلبي في أداء هذه الشعيرة وسيلة للمغرضين في استخدامها ضدنا وضد ديننا الإسلامي الحنيف، وكما هو معلوم للجميع ليس كل الكاميرات والمراسلين الذين ينقلون هذا الحدث الإسلامي العالمي العظيم يُبرِزونَ الإيجابيات أو يقيمون السلوكيات السلبية ويقترحون الحلول، إنما بعض تلك العدسات والمراسلين يبحثون عن المواد المسيئة للإسلام، خصوصًا مع تعاظم شأن الإسلام اليوم، والانبهار الذي تعكسه فريضة الحج من تلاحم لأبناء الإسلام من مختلف شعوب ولغات العالم.
إن حرصنا جميعًا مسؤولين ومواطنين وحجاجًا لإظهار كل السلوكيات الإيجابية الحضارية الإسلامية ستزيد من عدد الداخلين في هذا الدين الإسلامي الحنيف، وأي تصرف سلبي منا مهما صَغُرَ سيكون مادة دسمة لعدسات وأقلام وأفلام الراغبين في الإساءة للإسلام وأهله.
إن فريضة الحج وما يرتبط بها من شعائر ونسك تتطلب منا إبرازها وفق السلوك الإنساني الحضاري من خلال الالتزام بنظام الحج، ويأتي على رأس هذا النظام حصول كل حاج على تصريح للحج، هذا التصريح الذي يحقق له حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا؛ لأنه بهذا التصريح يستطيع المعنيون بإدارة الحج توفير النقل والسكن والإعاشة الملائمة له، ومن دون تصريح الحج يصبح هذا المسلم المخالف لأنظمة الحج سببًا في إيذاء أخيه المسلم الحاج وفق النظام، وهذا الإيذاء يبدأ بافتراش الحاج غير النظامي للطرق، ما يؤدي إلى إعاقة الحركة للمشاة أو المركبات أو معدات الخدمات ومنها النظافة والطوارئ وغيرها، ثم إنه بمخالفته نظام الحج يتسبب في الضغط على المرافق والخدمات العامة، ومنها دورات المياه والنقل العام وفق دراسة ميدانية، فإن ما يخلفه الحاج غير النظامي من مخلفات تفوق ما يخلفه الحاج النظامي بنسبة كبيرة، وأغلب مخلفاته هي من المخلفات التي يصعب التعامل معها في أثناء فترة الحج، ومنها الخيام المؤقتة والشراشف والبطانيات والإحرامات وغيرها كثير، ما يبرز هذه الشعيرة العظيمة في أعين الآخرين، على أنها شعيرة غير حضارية وفقًا لما تسجله عدسات المصورين من مشاهد الافتراش والنفايات والازدحام في كل مكان، وفي الوقت نفسه فإن الحاج غير النظامي يصبح عبئًا على الحاج النظامي، وذلك لقيام بعض الحجاج غير النظاميين بالاعتداء على مخيمات الحجاج النظاميين وعلى ما يخصص لهم من إعاشة وغيرها.
إن الجهود المباركة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لخدمة ضيوف الرحمن، وما يتم تخصيصه سنويًّا من مبالغ طائلة لتحقيق راحة الحجاج تُغتال ويساء إليها بسبب التعدي غير المبرر من الحجاج غير النظاميين على كل ما هو منظم وجميل في الحج، لهذا فإن الأمر لم يعد يتحمل المجاملة أو السكوت عليه، إنما يتطلب اتخاذ الإجراءات الضامنة إلى إلزام الجميع باحترام نظام الحج، وما يتم اعتماده من إجراءات وترتيبات لضمان تقديم حج آمن لضيوف الرحمن.
إن المخالفات النظامية التي يتم رصدها في الحج وما تقدمه من مادة دسمة لكل من يحاول الإساءة للإسلام من خلال مشاهد حقيقية يتم تصويرها في المشاعر المقدسة وأبطالها هم أبناء المسلمين المخالفون لأنظمة وتعليمات الحج، ستعطي كل من يرغب الإساءة للإسلام والمسلمين المادة الدسمة، ولعلنا نتذكر جميعًا ما أحدثه الفلم المسيء للمصطفى- عليه الصلاة والسلام- من ألم في قلوب كل المسلمين، وهو فيلم لا يستند إلى حقيقة ولا إلى مواد إعلامية حقيقية، فكيف إذا استطاع مثل ذلك المخرج الوصول إلى الظواهر السلبية في الحج التي يقدمها أبناء الإسلام من المخالفين لأنظمة الحج من افتراش للطرق وما يخلفونه من فوضى في التفويج ورمي الجمرات والطواف، وما يتركونه خلفهم من نفايات تشوه كل ما هو جميل في الحج.
إن دعوة ورسالة حملة ''الحج عبادة وسلوك حضاري'' دعوة لإبراز شعيرة الحج وما تتضمنه من سلوكيات إسلامية عظيمة، تبرز في تحمل المسؤولية والمحبة والإيثار والتعاون والتكامل والحرص على النظافة واحترام حقوق الآخرين، كما أمر بها الله - سبحانه وتعالى - وأكد عليها المصطفى - عليه الصلاة والسلام. تقبل الله من الحجيج حجهم، وغفر ذنبهم، وأعادهم سالمين غانمين إلى أهلهم وأحبتهم، وجزى الله كل العاملين على راحة الحجاج الأجر المبارك العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون، وكل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك.