طاهر يولداشيف
الحديث عن طاهر يولداشيف يعني الحديث عن التيار الجهادي في منطقة آسيا الوسطى بأكملها، ولا شك أن التساؤل الأول الذي يطرح نفسه بعدما تناقلت الأخبار نبأ مقتله إثر غارة أمريكية في منطقة وزيرستان الباكستانية هو عن مستقبل الجهاديين الأوزبك في غياب قائدهم التاريخي الذي ظل حاضرا في المشهد الإسلامي الجهادي قرابة عقدين من الزمن.
بن لادن آسيا الوسطى
قد يكون من غير المبالغ فيه إطلاق هذا الاسم على طاهر يولداشيف؛ حيث يعتبر الرجل المنظر الأول للإسلام الجهادي في آسيا الوسطى، واستطاع أن يجمع حوله عددا كبيرا من الجهاديين بدءا من الإيغور الصينيين (تركستان الشرقية) إلى تتارستان والقوقاز، مرورا بدول آسيا الوسطى خصوصا المنحدرين من وادي فرغانة الشهير الذي تتشاطره كل من قرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان الموطن الأصلي ليولداشيف.
ترجع بدايات يولداشيف (أو طاهر يولداش) إلى نهايات الاتحاد السوفيتي حينما بدأت رياح التغيير الغورباتشوفية تهب نحو الجنوب، وبدأ العمل الإسلامي يكشف عن نفسه في مدن آسيا الوسطى، خصوصا في وادي فرغانة.
ويبدو أن أسلوب حزب النهضة الإسلامي الذي كان يعتمد العمل التربوي والفكري لم يرو عطش هذا الشاب ذي الـ24 ربيعا، والمنحدر من مدينة نمنجان بوادي فرغانة، فأعلن عن تأسيس حركة العدالة الإسلامية تحت إمارته، وبدأ عمله الدعوي الإسلامي بشكل علني وسارع إلى تطبيق بعض أحكام الشريعة في مناطق نفوذه.
وفي أواخر عام 1991 حينما شعرت الحكومة الأوزبكية بتعاظم دور حركة العدالة تمت مهاجمتها من قبل القوات الحكومية مما دفع قيادات الحركة (يولداش وجمعة نمنجاني) إلى الهجرة إلى طاجكستان المجاورة والتي كانت تشهد سيطرة الإسلاميين.
ولعبت ثنائية طاهر يولداش وجمعة باي نمنجاني دورا كبيرا في حشد عشرات من المقاتلين الأوزبك في صفوف الإسلاميين الطاجيك في فترة الحرب الطاجيكية 1992-1997، غير أن الرجلين لم يوافقا على اتفاقيات السلام الطاجيكية وكانا يريان استمرار الحرب ضد الأنظمة المستبدة في آسيا الوسطى وقيام حكومة إسلامية هناك، ما جعلهما يجدان بغيتهما في حركة طالبان الأفغانية والقاعدة.
ولقد جاء الإعلان عن قيام حركة أوزبكستان الإسلامية عام 1998 بقيادة طاهر يولداش السياسي وجمعة باي نمنجاني العسكري بداية عملية جادة لتحقيق أحلام الرجل في إقامة الحكم الإسلامي في كل المنطقة انطلاقا من أفغانستان التي شكلت الجبهة الخلفية لهذه الحركة الجديدة.
وشهدت أوزبكستان والمنطقة موجة عنف كبيرة أهمها عملية اختطاف الرهائن اليابانيين في صيف 1999 وتفجيرات طشقند في نفس العام، والتي أظهرت قوة الجهاديين الأوزبك وقدرتهم على زعزعة قبضة كريموف الحديدية.
|
جمع يولداشيف حوله مقاتلين من الأيغور وتتارستان والقوقاز وآسيا الوسطى |
وبعد مقتل جمعة نمنجاني أواخر 2001 إثر القصف الأمريكي لمواقع طالبان شمال أفغانستان، أصبح يولداشيف يقود حركة أوزبكستان الإسلامية فكريا وعسكريا، وخرج من أفغانستان مع من تبقى من قواته إلى المناطق القبلية في باكستان واستقر به المقام في وزيرستان بشكل خاص.
وظهر اسم الرجل في الإعلام مرة أخرى عام 2004 حينما دخل في اشتباكات مع طالبان محليين في وزيرستان الشمالية واستطاع عبر تحالفه مع بيت الله محسود أن يجد لنفسه وقواته ملاذا آمنا في وزيرستان الجنوبية.
ومع انتفاضة أنديجان الدموية في أوزبكستان في مايو 2005م بدأ الرجل يأخذ مساحة إعلامية أكثر في الإعلام وحدد الأمريكيون مائتي ألف دولار ثمن الإبلاغ عنه قيل إنها ارتفعت فيما بعد إلى 5 ملايين دولار، وأصبح العدو رقم واحد لأنظمة الحكم في آسيا الوسطى كما خلق لنفسه أعداء جددا بدعمه الجهاديين الإيغور والكشميريين والشيشان والتتار.
يولداشيف والقاعدة
هاجر يولداشيف إلى أفغانستان مع الإسلاميين الطاجيك ومنها إلى باكستان أواسط التسعينيات، ووجد هناك من المجموعات الجهادية العربية منها والباكستانية من يؤيد رؤاه وأطروحاته الصدامية مع أنظمة الحكم المستبدة في آسيا الوسطى، كما بنى شبكة علاقاته مع ممولين عرب وغيرهم خصوصا من ذوي أصول أوزبكية، وربما أجهزة استخبارات إقليمية خصوصا الباكستانية التي كانت تدير المشهد الأفغاني المضطرب في تلك الفترة بشكل أساسي.
ومن المحتمل أنه التقى بن لادن في السودان أوائل عام 1996، غير أن عودة بن لادن في صيف نفس العام إلى أفغانستان، ثم سيطرة طالبان على كابول العاصمة أوجد ظروفا مثالية ليولداشيف أو (طاهر جان) الذي وطد علاقاته مع الملا عمر بعد مبايعته، كما استفاد من إمكانيات القاعدة في تدريب عناصره وتمويل أنشطته.
وساعده هذا الوضع المثالي في أفغانستان طالبان على تأسيس حركته الجديدة بالتعاون مع جمعة باي نمنجاني عام 1998، وهو نفس العام الذي أعلن بن لادن عن تأسيس جبهته العالمية للجهاد ضد الصليبيين واليهود. وكان يولداشيف يهدف من وراء تحالفاته هذه إيجاد قاعدة قوية عسكريا وفكريا وتمويليا تساعده على مواجهة نظام كريموف وبقية الأنظمة في آسيا الوسطى، خصوصا أنه فقد قاعدته الأساسية في طاجكستان المجاورة بعد أن آثر الإسلاميون الطاجيك الدخول في عملية السلام والمشاركة في العملية السياسية السلمية بدلا من المواجهة العسكرية.
وبتحالفه مع القاعدة استطاع يولداشيف أن يصبح المرجعية الأولى للجهاديين في آسيا الوسطى وتركستان الشرقية وربما القوقاز، خصوصا على الأراضي الأفغانية والباكستانية واحتفظ بهذه المرجعية حتى النهاية.