من المعلوم بالضرورة في عالم إدارة الأعمال الأهمية القصوى لإدارة المخاطر، تلك القضية التي تحتاج إلى كثير من الأدوات والمهارات وإلى كوادر بشرية متميزة، ذلك أن المخاطر التي تواجه الأعمال لم تعد محصورة داخل الشركة التي دائما ما تظهر في مخاطر ضعف أنظمة الرقابة الداخلية، بل تعدت ذلك إلى دراسة وتحليل وبناء الخطط لمواجهة مخاطر الأعمال الخارجية. وفي عالم مضطرب سياسيا واقتصاديا ومناخيا وتحدث فيه التغيرات والمفاجآت بشكل يومي، فإن تحليل المخاطر والتنبؤ بها ومن ثم إعداد الخطط للتعامل معها يجب أن تصبح أولوية لدى الشركات الراغبة في البقاء في عالم اليوم، ذلك أن المخاطر المتوقعة لم تعد تنشأ من تلبد الغيوم في سماء النشاط الرئيس للشركة فقط، لكن أيضا من احتمالات حدوث النزاعات السياسية في مناطق الأعمال الرئيسة أو على مدى خطوط الإمداد، تلك النزاعات المتزايدة، التي بدأت تلقي بظلالها على نشاطات كثير من الشركات، ومن ذلك إلغاء العقود أو إعادة النظر فيها، أو اختلاق الأزمات والقضايا بهدف الضغط للحصول على مزايا أو تنازلات خاصة. وقد لا تكون الشركة معرضة بشكل مباشر للمخاطر، لكن قد يتورط العملاء والموردون الرئيسون في قرارات تتسم بالمخاطر العالية، بينما تبذل إدارة تلك الشركات جهداً لإخفاء المخاطر التي تواجهها حتى لحظة الانهيار المفاجئة. لقد أكدت الأزمة المالية العالمية أنه لا أحد محصناً من الأزمة التي قد تنشأ بشكل سريع ومتعاظم، تنهار معها الحلول التقليدية، وأكدت كذلك أنه دائما ما تنهار الشركات التي فقدت قدرتها على تقدير المخاطر والتخطيط لمواجهتها. وفي المقابل أثبتت الأحداث أن الشركات والأسواق التي صمدت أمام موج الأزمة المالية العظيم كانت تلك التي تحفظت كثيرا في تفاؤلها في الأوقات الجيدة وقيّمت بشكل دقيق جميع التوصيات التي قُدمت لها لخوض مغامرات استثمارية محفوفة بالمخاطر. لذلك لا مناص أمام الشركات للبقاء من زيادة الاستثمارات وتنمية الموارد البشرية والتقنية في مجال إدارة المخاطر والمنافسة على أفضل الخبراء في هذا المجال.
ومع تنامي المخاطر في بيئة الأعمال وتعرُّض الشركات في الدول النامية بشكل متزايد لتلك المخاطر، فإن سلوك الإدارة الذي تم رصده حتى الآن هو إخفاؤها وعدم الإفصاح عنها. وللمحافظة على توقعات المحللين، فإن إدارة هذه الشركات عادة ما تقوم بالتلاعب بالقوائم المالية، وعلى الأخص رقم الأرباح، حتى لو أدى ذلك إلى تضليل السوق المالية. وفي سوق مالية حديثة ونامية لا ترغب الشركات أن تزيد من استثماراتها في إدارة المخاطر، نظرا لأن تلك الأسواق لم تطور بعد نظماً لتعويض المساهمين عن أخطاء مجلس الإدارة ولم تصدر أحكاماً لجرائم أصحاب الياقات البيضاء، فإن احتمال انهيار الشركات بسبب عمليات إدارة الأرباح والتلاعب بالقوائم المالية وإخفاء المخاطر سيكون في مستوى مرتفع. وحيث إنه من المؤلم الانتظار حتى حدوث كارثة الانهيار المفاجئ في مثل هذه الأسواق، الذي ستكون له آثار خطيرة في الاقتصاد، فإن من واجب الهيئات والمؤسسات الحكومية المشرفة على هذه الأسواق والشركات العاملة فيها أن تمارس بنفسها عملية إدارة المخاطر وتشكل دوائر خاصة لتتبع مخاطر أعمال الشركات الكبيرة على الأقل، كما عليها أن تفرض على الشركات أساليب رقابية أكثر، ومن أهمها ممارسة مبدأ الحكم المشترك والديمقراطية في الشركات التي يضمنها التطبيق الشامل لمفاهيم ومبادئ حوكمة الشركات، وإعادة السلطات الرقابية إلى الجمعية العامة وإجبار مجلس الإدارة على مزيد من الإفصاح حول القرارات الاستراتيجية للشركة، خاصة في الشركات التي تمارس نشاطها خارج الحدود.
كلمة الاقتصادية